## فيمـا تَعَــدّى ظـاهِــرَ المـرآة ## بقلم / أ. سليمان دغش .

 فيمـا تَعَــدّى ظـاهِــرَ المـرآة/ سليمان دغش


أحمَرُ الشَّفَتين يوجِعُ شَفَةَ الفِنجانِ في شَفَتَيها وَيوجِعُني بِهـا 

يَستَسلِمُ الفنجانُ مَشدوهاً بما فيهِ لخمسِ أصابِعٍ كالشَّمعَدانِ 

أضاءَتْ حُمرَةُ المانيكورِ فيها فِتْنَتَيْنِ على أصابِعَ زَيَّنَ الياقوتُ لؤلؤَها

 إذا لامَستَها خَلعَت بكَ الرّوحُ الشَّقيّةُ بُرْدَها

 وتَحَرَّرتْ كَفَراشَةٍ جُنَّتْ بعطرِ الوردِ بَلّلَهُ النّدى 

ورَمَتْ عَليهِ الشَّمسُ شالاً من سَنا 

تَتَلألآنِ كَشَمعَدانَيْ لؤلؤٍ مُتَقابِلَينِ تَئِنُّ تَحتَهما 

وَتَشهَقُ شهوةٌ في الطاولةْ

 تَرشُفُ القهوَةَ مِن فنجانِها، فلها طُقوسُ أميرةٍ 

في حَضرةِ القَهوَةِ والفِنجانِ تُدهِشُني 

ما أطوَلَ الوَقتَ على الفنجانِ حينَ تَرفعهُ لتأخذَ منهُ رَشفَتَها

 ويأخُذَ بالمُقابِلِ رَشفَتَيْنِ فَيَنْتَشي مِنْ قُبلَةٍ إنْ أطبَقَتْ

 شَفَةً على شَفَةٍ على أطرافِهِ

وتَحَسَّسَتْ بِلِسانِها الياقوت دِفْءَ البنِّ عندَ تَنَفُّسِ الفنجان في فَمِهـا 

ما زِلتُ أرقُبُها بِعَينَيْ شاعرٍ يَرى الأشياءَ أبعَدَ من دَلالتِها 

على مِرآةِ ظاهِرِها فالشِّعرُ يَعشَقُ سِحْرَ الكَشفِ في لُغَةِ المجازِ الهَشِّ

 خَلفَ سَتائِرٍ شفّافَةٍ تُبدي القَليلَ على استحيائِهِ خَجَلاً

 يُحَرِّكُ رَغبَةً في الكَشفِ للمَخفِيِّ مِنْ سِرٍّ ومِنْ سِحْرٍ 

تُخَبِّئُهُ السّتائِرُ خَلفَ تَمَوُّجِ الشيفونِ يُغريني ويغويني

 بِبَعضِ غُموضِهِ المسحورِ بالكَشفِ الشَّهِيِّ 

لما وراءِ الظِّلِّ مِن مَعنى 

إنَّ الرُؤى تَعلو على الرؤيَةِ في الطَّريقِ إلى تَحَقُّقِها

 أوَ الطّريقِ اللانهائيِّ إلى تيهِ المَدى 

أشعَلتُ سيجارِيَ الكوبِيَّ قُلتُ لعَلَّ رائحَةَ الرّجولةِ فيهِ تُربِكُها

 فَتُربِكُني الأُنوثَةُ فوقَ فوق تَحَمُّلي 

أهذي بِها وَلَهاً فَتَعتَريني رِعْشَةٌ وكأنَّ وَحياً قد تَجَلّى لي

 فأَهتِفُ : زَمِّليـني زَمِّليـني 

يَتَمَلمَلُ السيجارُ في شَفَتَيَّ، تُشعِلُني سيجارَةُ الكِينتِ الطّويلةُ 

حينَ تُشعِلُها بِكُلِّ أناقَةٍ وسَحابَةٌ منْ عِطرِها الشانيل تَفضَحُني

 فإنَّ العِطرَ مِرسالُ الأُنوثَةِ والطَّريقُ إلى فردَوسِ حوّاء الخَطيئَةِ 

يا إلهي لا تؤاخِذْني، لا طَعمَ للفِردَوسِ إلا في خَطيئَتِنا 

بَعضُ الخطايا في جُنونِ الحُبِّ والحُمّى مُقَدَّسَةُ النوايا 

والمَراسيم الأنيقَة في مُمارَسَةِ الهَوى 

هِيَ سُنّةٌ في الحُبِّ أنتَ هَدَيتَنا لطَريقِها الحِسِّيِّ 

كَي نَحيا براءَةَ آدم الأولى على نَسَقِ الطَّبيعَةِ 

في حليبِ فِطرَتِها المُقَدَّسِ،

ثَمَّةَ شهوَةٌ تَجتاحُني لِحَليبِ أوَّل قَطرةٍ منْ ثَديِ حوّاءَ

 التي اكتَمَلتْ أنوثَتُها بِهـا

فاكتَمَلتُ أنا لها 

لا شيء يَنقُصُني سِوايَ الآنَ 

لا شيءَ يُكمِلُني سِواها

 كَمِ ابتَعَدَتْ بيَ الرؤيا على مدِّ التُّخومِ بِليْلِ عَينَيها

 يَمُرُّ الوَقتُ، بَينَنا خَيطٌّ ضَبابِيٌّ منَ الوَهمِ قَصيرٌ أو طَويلٌ رُبّما

 وَمَناخٌ غامِرٌ بالدِّفءِ والعِطرِ الفَرَنسِيِّ وموسيقى بِنكهَةِ شوبانَ

 الأَنيقِ فَتَنتَشي أرواحُنا وَتَطيرُ سِرباً منْ فراشاتٍ مُلوَّنةٍ

 إلى قَناديلَ مُعَلَّقَةٍ كَأَقراطٍ مِنَ الألماس زَيَّنَتِ السّماءَ

 بِسِحرِها اللألاءِ، مَرَّ الوَقتُ لا شيءَ يوقِفُهُ ولا يَعودُ إلى الوراءِ 

فإنَّ الوَقتَ ذو دفعٍ أماميٍّ فإنْ تَترُكْهُ مرَّ إلى أجِندَتهِ على عَجَلٍ 

عُبور الريحِ مسرِعَةً إلى ما لستَ تدري

فأمرُ الرّيحِ أسئِلةٌ إجابَتُها السّؤال

 نَظَرتُ لساعتي، مُنتَصَفَ الليلِ وبعض دقائقٍ مرّتْ 

أشَرتُ للنّادِلِ جاءَ مُنهَمِكاً على عَجَلٍ كعادَتِهِ

سألتُ مرتَبِكاً وبـي خَجَلٌ : مَنِ المرأةُ تِلكَ هَلْ تَعرِفُها؟

 نَظَرَ النّادِلُ حَيثُ أشارَتْ اصبعي هُنَيْهَةً، حَدَّقَ بـي مُستَغرباً

أأنتَ تهذي سَيِّدي؟،ما من امرأةٍ هناكَ 

أنتَ تَهذي! 

أنتَ تَهذي! 

 وَكأنَّني أَهذي بِهــا


سليمان دغش

(من ديوان "في المرآةِ أُشبِهُني" الصادر عن الدار الأهلية- بيروت)

تعليقات